تنظيم
درجة حرارة الجسم Regulation
of Body Temperature
لكي يحافظ الجسم على درجة حرارة ثابتة تقريبا فإن عليه
أن يوازن بين كمية الحرارة المكتسبة والمتولدة في الجسم وكمية الحرارة المفقودة من
الجسم وهذا يعني أن:| كمية الحرارة المفقودة = كمية الحرارة المتولدة في الجسم +
كمية الحرارة المكتسبة من الوسط المحيط. |
وقد أشرنا في البنود السابقة من هذا الفصل إلى الآليات
التي يتم بها اكتساب الحرارة أو توليدها في الجسم أو فقدها منه وفي هذا البند نود
أن نشير إلى أن آليات الاستتباب هي التي تبقي كمية الحرارة المفقودة مساوية الكمية
الحرارة المتولدة في الجسم وتلك المكتسبة من الوسط المحيط. إن آليات الاستتباب
العاملة هنا هي منعكسات reflexes تستخدم آليات التغذية الراجعة السلبية لتبقي
درجة الحرارة ثابتة ضمن المدى الطبيعي المقبول (35.6 - 37.8 °س).
تتضمن منعكسات الاستتباب الخاصة بتنظيم درجة حرارة
الجسم مستقبلات للبرودة cold receptors وأخرى للحرارة warm
receptors توجد إما على سطح الجسم فتدعى محيطية peripheral
أو في عمق الجسم فتدعى مركزية central. تنقل هذه المستقبلات
المعلومات المتعلقة بتغير درجة الحرارة عبر مسالك واردة afferent
إلى مركز تكامل معلومات integration centre موجود في تحت
المهاد وهذا بدوره يحدد نوع الاستجابات التي تعاكس التغير في درجة الحرارة ويرسل
بالمعلومات عبر مسالك صادرة efferent pathways تشمل أعصابا
ودية autonomic nerves وأخرى جسمية somatic nerves
إلى أعضاء الاستجابة effectors المتمثلة بالأوعية الدموية في الجلد والغدد
العرقية والعضلات الهيكلية كما تشمل أنسجة أخرى.
مستقبلات
الحرارة Thermoreceptors
يمكن تصنيف مستقبلات الحرارة إلى مستقبلات محيطية peripheral
thermoreceptors تقيس حرارة الجلد وقشرة الجسم وأخرى مركزية central
thermoreceptors تقيس درجة حرارة عمق الجسم.
أ.
المستقبلات المحيطية: توجد هذه عادة تحت الجلد مباشرة وتكون عادة
على هيئة نهايات عصبية حرة عادية، وهي حساسة جدا للتغير في درجة الحرارة وقد أمكن
تشخيص نوعين من هذه المستقبلات: مستقبلات البرودة cold receptor
التي تعطي إشارات عصبية بشكل مستمر (شكل 25 - 7 ) عندما تنخفض درجة حرارة الجلد،
ومستقبلات الحرارة warm receptors التي تعطي
إشارات عصبية بشكل متزايد عندما ترتفع درجة حرارة الجلد. يجدر بالذكر أن مستقبلات
البرودة أكثر عددا بحوالي 10 مرات مستقبلات الحرارة.
الشكل 25 - 7: استجابة مستقبلات البرودة ومستقبلات
الحرارة للتغيرات في درجة حرارة الجلد.
ب-
المستقبلات المركزية: Central thermoreceptors توجد في مناطق
الجسم الأعمق مثل تحت المهاد والحبل الشوكي والأحشاء والأوردة الكبيرة. تضم هذه
المستقبلات مستقبلات برودة ومستقبلات حرارة تستجيب للانخفاض وللارتفاع في درجة الحرارة
على التوالي وترسل بإشاراتها العصبية إلى مركز التكامل. مركز تكامل المعلومات
المتعلقة بالحرارة تعتبر تحت المهاد، وبشكل خاص النواة قبل البصرية preoptic re nucleus
التركيب الأكثر أهمية في الدماغ في تكامل المعلومات الحرارية. إن المعلومات
المتعلقة بالتغير في درجة الحرارة القادمة من المستقبلات المحيطية أو المركزية تصل
عن طريق الأعصاب الواردة إلى هذا المركز الذي يقوم باستقبال هذه المعلومات وإنشاء
استجابات مضادة للارتفاع antirise response وأخرى مضادة
للانخفاض antidrop response في الحرارة. تنتقل
الإشارات الصادرة من مركز تكامل المعلومات أو مرکز تنظيم
الحرارة thermoregulation centre، عبر الأعصاب
الودية أو الأعصاب الجسمية إلى أعضاء الاستجابة لتمنع الارتفاع أو الانخفاض في
درجة الحرارة.
الاستجابات
المانعة لارتفاع الحرارة Antirise
Response
تشمل هذه الاستجابات إفراز العرق وانبساط الأوعية
الدموية في الجلد والاستجابات السلوكية مثل تقليل النشاط واللجوء إلى الظل وإلى
المناطق الأبرد و ارتداء الملابس ذات اللون الفاتح:
أ.إفراز
العرق Sweating:
عندما يتعرض الجسم لكرب حراري heat stress
فإن الغدد العرقية مجتمعة (حوالي 2.5 مليون غدة) تفرز ما مقداره 1 - 2 لتر من
العرق في الساعة الواحدة. والعرق عندما يفرز في الجزء القريب من الغدة العرقية
يكون متساوي التوتر
الأسموزية) مع سوائل الجسم ولكن قناة الغدة تعيد امتصاص
بعض الأملاح منه محولة إياه إلى سائل ناقص التوتر. يتبخر هذا السائل على سطح الجلد
فيستمد حرارة من الجسم بمعدل 0.58 سعر لكل مللتر واحد يتبخر (أي ما مقداره 600 -
1200 سعر/ساعة). إن الحرارة المفقودة بهذه الطريقة تمنع الارتفاع في درجة حرارة
الجسم التي يمكن أن تحدث عندما يكون الجو المحيط حارة أو عند التمرين الرياضي
العنيف. وعندما يكون الجو شديد الرطوبة * فإن التبخر ينخفض إلى حد كبير ولهذا فإن
وسيلة إفراز العرق لا تعود قادرة على تخفيض درجة حرارة الجسم وهذا هو سبب الضيق
الكبير الذي يشعر به سكان المناطق الحارة الرطبة.
تتحكم الأعصاب الودية الكولينية بإفراز العرق ولذا فإن
الأدوية الكولينية تسبب إفراز العرق بينما تعمل مضاد اتها، مثل أتروبين atropine،
على إيقاف إفراز العرق وبالتالي على تعطيل التنظيم الحراري عن طريق الغدد العرقية.
من جانب آخر، يمكن تنبيه إفراز بعض العرق والعرق البارد بواسطة الأدوية الودية.
ب.انبساط
الأوعية الدموية في الجلد Vasodilatation of Cutaneous Blood Vessels
تسيطر على الأوعية الدموية في الجلد اعصاب ودية تفرز
نورابينفرين الذي يسبب تضيق هذه الأوعية الدموية ونقص كمية الدم المتدفق فيها إلى
الجلد. وبينما يسبب البرد (أو انخفاض درجة الحرارة) تنبيه هذه الأعصاب (كما ويسبب
زيادة ألفة نور إبينفرين المستقبلاته) فإن ارتفاع درجة الحرارة يقلل من تنبيه هذه
الأعصاب ولذا فإن استجابة الأوعية الدموية لارتفاع درجة حرارة الجسم أو حرارة الجو
المحيط تتمثل في انبساط الأوعية الدموية في الجلد (أو نقص المقاومة المحيطية أو
الخارجية وزيادة تدفق الدم إلى الجلد. ونظرا لأن الجلد ذو درجة حرارة أقل من درجة
حرارة العمق لذا فإن الدم القادم من العمق الساخن نسبيا إلى الجلد الأبرد سيفقد
كمية من الحرارة بالإشعاع وبالتوصيل وبالحمل، ويؤدي هذا السلوك إلى خفض درجة
الحرارة في الجسم بشكل عام.
يعتقد الباحثون أن تنبيه بعض الأعصاب الودية يؤدي إلى
انبساط نشط للأوعية الدموية في بعض مناطق الجلد وهذا يزيد من تدفق الدم إلى هذه
المناطق، وبشكل عام فإن معدل تدفق الدم للجلد يزداد من حوالي 0 . 5 لتر/دقيقة إلى
1 . 9 لتر/دقيقة أثناء التعرض للكرب الحراري المصاحب للتمرين العنيف (أي بزيادة
مقدارها 3 - 4 أضعاف). كما أن المقاومة الوعائية المحيطية تنقص من 100 % إلى 40 %.
ويعد أثر الحرارة في انبساط الأوعية الدموية أكثر شمولية من أثر إفراز العرق الذي
يكون أثره بادىء الأمر موضعيا.
الاستجابات
المانعة لانخفاض الحرارة Antidrop
Responses
وهذه تشمل انقباض الأوعية الدموية في الجلد، والارتجاف
العضلي، وزيادة معدل الأيض بفعل النواقل العصبية والهرمونات، والاستجابات السلوكية
المتمثلة بارتداء الملابس الداكنة والسميكة والتعرض للشمس وتقليل مساحة سطح الجسم
المعرضة للخارج بالتكور أو بضم الأكتاف، وبالتهام كميات أكبر من المواد الغذائية
(شكل 25 - 8).
أ- انقباض الأوعية الدموية في
الجلد :Vasoconstriction
of Cuteneous Blood Vessels
تستطيع هذه الآلية تنظيم درجة الحرارة عندما تكون درجة
الحرارة في الوسط المحيط بين 25 – 30 °س، فالبرد يسبب تنبيه الأعصاب الودية
الواصلة إلى الأوعية الدموية للجلد مما يسبب انقباض هذه الأوعية الدموية وإنقاص
تدفق الدم فيها. عند ذاك يتحول جزء كبير من الدم في الجلد إلى عمق الجسم، وبما أن
عمق الجسم معزول عن قشرته تقريبا بواسطة النسيج الدهني تحت الجلدي لذا فإن فقد
الحرارة عبر الجلد سيكون أقل ما يمكن. لا يؤثر نقص تدفق الدم إلى الجلد لفترة
قصيرة من الزمن على العمليات الحيوية لخلايا الجلد ولكن استمرار ذلك لفترة طويلة
يؤدي إلى موت خلايا الجلد بسبب حرمانها من أكسجين والغذاء وتدعى هذه الحالة عضة
الجليد frostbite.
ب. الارتجاف العضلي Shivering
يبدأ الارتجاف العضلي، كوسيلة من وسائل توليد الحرارة
في الجسم، بالعمل إذا أخفقت العمليات الأخرى في منع استمرار الانخفاض في درجة
الحرارة. يرسل مرکز تنظيم درجة الحرارة
ومناطق أخرى من الدماغ بإشارات عبر الأعصاب الحركية إلى العضلات الهيكلية مما يرفع
من توترها tone، وعندما يرتفع التوتر بدرجة كافية فإن ذلك يؤدي
إلى تنبيه مستقبلات الشد في أزواج العضلات المتضادة مما يحدث فيها انقباضات سريعة
متبادلة تؤدي إلى توليد الحرارة في الجسم بسبب تبديد جزء من طاقة ATP
التي تستهلكها العضلات أثناء انقباضها. تعتبر هذه الآلية فعالة جدا في منع انخفاض
درجة حرارة الجسم وذلك لأن كمية الطاقة المتولدة كبيرة، وتسمى هذه الظاهرة توليد
الحرارة بالارتجاف Shivering - induced thermogenesis
.
الشكل 25 - 8 : مخطط يبين آلية تنظيم درجة الحرارة في
الجسم.
ج.زيادة معدل الأيض Increased Metabolic Rate
يؤدي انخفاض درجة الحرارة (البرد) إلى إفراز نورابينفرين
من نهايات الأعصاب الودية في مناطق عديدة من الجسم ويؤدي نورابينفرين إلى زيادة
معدل الأيض وإلى زيادة كمية الطاقة المتولدة في الجسم. كذلك فإن الانتقال من الجو
الحار إلى الجو البارد أو من فصل دافئ إلى آخر بارد، يؤدي إلى تحفيز تحت المهاد
لتفرز هرمون مفرز منشط الدرقية (TRH) الذي يسبب تحرر
منشط الدرقية (TSH) من النخامية الأمامية وهذا بدوره يؤدي إلى
تحرر هرمونات الدرقية T4 ، T3 . إن هذه
الهرمونات تسبب زيادة معدل الأيض كذلك، وتدعى هذه الظاهرة توليد الحرارة كيميائيا chemical
or nonshivering) – induced thermogenesis
الأقلمة
للحرارة المرتفعة Heat
Acclimation
عندما يصل الشخص إلى منطقة مرتفعة الحرارة لأول مرة فإن
قدرته على العمل تكون منخفضة وترتفع درجة حرارته كما ويعاني من تعب شديد وربما
يشعر بالإرهاق، ولكن بعد عدة أيام يبدأ بالتحسن وتتحسن قدرته على العمل ويقال عندها
بأنه تأقلم لهذه الحرارة المرتفعة. يتمثل التأقلم للحرارة المرتفعة بما يأتي:
1.يبدأ إفراز العرق مبكرا مع بدء العمل ، وتزداد كمية
العرق المفرز بشكل واضح. يحدث تغير في تركيب العرق، إذ يعاد امتصاص جزء كبير من
صوديوم في قنوات الغدة العرقية بحيث يصبح العرق، الذي كان لحظة إفرازه شبيها
بالبلازما من حيث تركيز صوديوم، لا يحتوي إلا القليل منه. يجدر بالذكر أن هذا
التكيف يقع تحت سيطرة ألدوستيرون الذي يعيد امتصاص صوديوم في قناة الغدة العرقية
بشكل مشابه لعمله في الكلية.
الأقلمة
للحرارة المنخفضة Cold
- Acclimation
تتمثل الأقلمة للبرد أو الحرارة المنخفضة بما يأتي :
1 - زيادة معدل الأيض.
2 - زيادة سمك الطبقة العازلة من الدهون تحت الجلد.
3- انخفاض استجابة الارتجاف العضلي عند التعرض للبرد.
4 - لوحظ في الإسكيمو وبعض صيادي الأسماك تكيف آخر
للبرد يتمثل في حدوث درجة أقل من انقباض الأوعية الدموية في الأصابع مما يتيح
لهؤلاء الأشخاص القيام بأعمالهم بشكل مناسب فلا يتعرضون إذا العضة الصقيع بهذه
الصورة.
الفصل الخامس والعشرين:
·
آليات توليد الحرارة في
الجسم
·
العوامل
المؤثرة على معدل الأيض
·
العوامل المؤثرة على درجة
حرارة الجسم
·
مركز تكامل المعلومات
المتعلقة بالحرارة
·
الإستجابات المانعة لارتفاع
الحرارة
·
الإستجابات المانعة لانخفاض
الحرارة
·
بعض
الاضطرابات في تنظيم درجة الحرارة
المصادر
- التشريح الوظيفي وعلم وظائف الأعضاء ، الدكتور شتيوي العبدالله (2012) ، دار المسيرة عمان – الأردن.
- Prosser, C. Ladd (1991). Comparative Animal Physiology, Environmental and Metabolic Animal Physiology (4th ed.). Hoboken, NJ: Wiley-Liss. pp. 1–12. ISBN 978-0-471-85767-9.
- Hall, John (2011). Guyton and Hall textbook of medical physiology (12th ed.). Philadelphia, Pa.: Saunders/Elsevier. p. 3. ISBN 978-1-4160-4574-8.
- Widmaier, Eric P.; Raff, Hershel; Strang, Kevin T. (2016). Vander's Human Physiology Mechanisms of Body Function. New York, NY: McGraw-Hill Education. pp. 14–15. ISBN 978-1-259-29409-9.
- R. M. Brain. The Pulse of Modernism: Physiological Aesthetics in Fin-de-Siècle Europe. Seattle: University of Washington Press, 2015. 384 pp., [1].
- Rampling, M. W. (2016). "The history of the theory of the circulation of the blood". Clinical Hemorheology and Microcirculation. 64 (4): 541–549. doi:10.3233/CH-168031. ISSN 1875-8622. PMID 27791994. S2CID 3304540.
- Bernard, Claude (1865). An Introduction to the Study of Ex- perimental Medicine. New York: Dover Publications (published 1957).
- Bernard, Claude (1878). Lectures on the Phenomena of Life Common to Animals and Plants. Springfield: Thomas (published 1974).
- Brown Theodore M.; Fee Elizabeth (October 2002). "Walter Bradford Cannon: Pioneer Physiologist of Human Emotions". American Journal of Public Health. 92 (10): 1594–1595. doi:10.2105/ajph.92.10.1594. PMC 1447286.
- Heilbron, J. L. (2003). The Oxford Companion to the History of Modern Science, Oxford University Press, p. 649, link.
- Feder, ME; Bennett, AF; WW, Burggren; Huey, RB (1987). New directions in ecological physiology. New York: Cambridge University Press. ISBN 978-0-521-34938-3.
- Garland, Jr, Theodore; Carter, P. A. (1994). "Evolutionary physiology" (PDF). Annual Review of Physiology. 56 (1): 579–621. doi:10.1146/annurev.ph.56.030194.003051. PMID 8010752.
Comments
Post a Comment